الأصحاح الأول
كان ارفكشاد ملك الماديين قد اخضع امما كثيرة لسلطانه وبنى مدينة منيعة جدا سماها احمتا
بناها من حجارة مربعة منحوتة وابتنى اسوارها على ارتفاع سبعين ذراعا في عرض ثلاثين ذراعا وشيد بروجها على ارتفاع مئة ذراع
مساحة كل جانب من مربعها عشرون قدما وجعل ابوابها في علو الابراج
و كان يفتخر بقدرته وسطوة جيشه وعزة مراكبه
و ان نبوكد نصر ملك اشور الذي كان مالكا على نينوى المدينة العظيمة في السنة الثانية عشرة من ملكه حارب ارفشكاد فظفر به
في الصحراء العظيمة التي يقال لها رعاوى عند الفرات ودجلة ويادسون في صحراء اريوك ملك عليم
فعظم اذ ذاك ملك نبوكد نصر وسمت نفسه فراسل جميع سكان قيليقية ودمشق ولبنان
و الامم التي في الكرمل وقيدار وسكان الجليل في صحراء يزرعيل الواسعة
و جميع من في السامرة وعبر الاردن الى اورشليم وفي جميع ارض يسى الى حدود الحبشة
الى جميع اولئك بعث نبوكد نصر ملك اشور رسلا
فابى جميعهم اتفاقا وردوا الرسل خائبين وطردوهم بلا كرامة
فاستشاط حينئذ نبوكد نصر الملك غضبا على تلك الارض باسرها وحلف بعرشه وملكه لينتقمن من جميع تلك البلاد
و في السنة الثالثة عشرة لنبوكد نصر وفي اليوم الثاني والعشرين من الشهر الاول تمت الكلمة في بيت نبوكد نصر ملك اشور بالانتقام
فدعا جميع الشيوخ وكل قواده ورجال حربه وواضعهم مشورة سرية
و قال لهم ان في نفسه ان يخضع كل الارض لملكه
و اذ حسن ذلك لدى الجميع استدعى نبوكد نصر الملك اليفانا قائد جيشه
و قال له اخرج على جميع ممالك الغرب وخصوصا الذين استهانوا باوامري
و لا تشفق عينك على مملكة ما واخضع لي جميع المدن المحصنة
فدعا اليفانا القواد وعظماء جيش اشور واحصى عدد رجال الحرب كما امره الملك مئة وعشرين الف راجل مقاتلين واثني عشر الف فارس ارباب قسي
و سير امام جيوشه عددا لا يحصى من الجمال بما يكفي الجيش بكثرة ومن اصورة البقر وقطعان الغنم ما لا يحصى
و امر ان تجمع الحنطة من كل سورية عند عبوره
و اخذ من بيت الملك من الذهب والفضة شيئا كثيرا جدا
ثم ارتحل بجميع جيشه ومراكبه وفرسانه وارباب القسي وكانوا يغطون وجه الارض كالجراد
فلما جاوز تخوم اشور انتهى الى جبال انجة العظيمة التي الى يسار قيليقية وزحف على جميع قلاعهم وتسلم كل الحصون
و فتح مدينة ملوطة المشهورة ونهب جميع بني ترشيش وبني اسماعيل الذين حيال البرية وجهة جنوب ارض كلون
ثم عبر الفرات واتى الى ما بين النهرين وقهر جميع ما هناك من المدن المشيدة من وادي ممرا الى حد البحر
و استولى على حدودها من قيليقية الى تخوم يافث التي الى الجنوب
و اسر جميع بني مدين وغنم كل ثروتهم وكل من قاومهم قتله بحد السيف
و بعد ذلك انحدر الى صحاري دمشق في ايام الحصاد واحرق جميع حقولهم وقطع كل اشجارهم وكرومهم
فوقع رعبه على جميع سكان الارض
حينئذ انفذ اليه جميع ملوك ورؤساء المدن والاقاليم رسلهم من سورية التي بين النهرين وسورية صوبال ولوبية وقيليقية فاتوا اليفانا وقالوا له
ليكف غضبك عنا فخير ان نحيا عبيدا لنبوكد نصر الملك العظيم وندين لك من ان نموت ونخرب ونتحمل خسف العبودية
و هذه مدائننا باسرها وجميع ما نملكه وجبالنا وهضابنا وحقولنا ومواشينا من اصورة البقر وقطعان الغنم والمعز والخيل والابل وجميع مقتنانا وعيالنا بين يديك
جميع ما هو لنا تحت امرك
و نحن وبنونا عبيد لك
فكن في قدومك علينا مولى سلام واستخدمنا بما يحسن عندك
حينئذ انحدر من الجبال مع الفرسان بقوة عظيمة واستولى على جميع المدن وكل سكان الارض
و اخذ من جميع المدن انصارا له من ذوي الباس ومختارين للحرب
فحل على جميع تلك البلدان خوف عظيم حتى خرج للقائه سكان جميع المدن الرؤساء والاشراف مع شعوبهم
و استقبلوه بالاكاليل والمصابيح راقصين بالطبول والنايات
و لا بصنعهم هذا امكنهم ان يلينوا قساوة قلبه
فانه دمر مدنهم وقطع غاباتهم
لان نبوكد نصر الملك كان قد امره ان يبيد جميع الهة الارض حتى يدعى هو وحده الها بين جميع تلك الامم التي تدين له بسطوة اليفانا
ثم عبر سورية صوبال وبامية كلها وجميع ما بين النهرين واتى الادوميين في ارض جبع
و اخذ مدائنهم واقام هناك ثلاثين يوما امر فيها ان تجمع كل قوة جيشه
و سمع بنو اسرائيل المقيمون بارض يهوذا فخافوا جدا من وجهه
و اخذ الارتعاد بفرائصهم مخافة ان يفعل باورشليم وبهيكل الرب كما فعل بسائر المدن وهياكلها
فارسلوا الى جميع السامرة في كل وجه الى حد اريحا وضبطوا رؤوس الجبال كلها
و سوروا قراهم وجمعوا الحنطة استعدادا للقتال
و كتب الياقيم الكاهن الى جميع الساكنين قبالة يزرعيل التي حيال الصحراء الكبيرة الى جانب دوتان والى جميع الذين يمكن ان يجاز في اراضيهم
ان يضبطوا مراقي الجبال التي يمكن ان تسلك الى اورشليم ويحفظوا المضايق التي يمكن ان يجاز منها بين الجبال
ففعل بنو اسرائيل كما رسم كاهن الرب الياقيم
و صرخ كل الشعب الى الرب بابتهال عظيم وذللوا نفوسهم بالصوم والصلاة هم ونساؤهم
و لبس الكهنة المسوح وطرحوا الاطفال امام هيكل الرب وغطوا مذبح الرب بمسح
و صرخوا جملة الى الرب اله اسرائيل ان لا يجعل اطفالهم غنيمة ونساءهم مقتسما للاعداء ومدنهم خرابا واقداسهم نجاسة واياهم عارا بين الامم
و جال الياقيم كاهن الرب العظيم في جميع اسرائيل وكلمهم قائلا
اعلموا ان الرب يستجيب لصلواتكم ان واظبتم على الصوم والصلوات امام الرب
اذكروا موسى عبد الرب كيف قهر العمالقة الذين كانوا متكلين على باسهم وقدرتهم وجيشهم وتروسهم ومراكبهم وفرسانهم فقهرهم مقاتلا لا بالسيف بل بالصلوات الطاهرة
هكذا يكون جميع اعداء اسرائيل اذا واظبتم على العمل الذي بداتم به
و اذ خاطبهم بهذا الكلام تضرعوا الى الرب وكانوا لا يبرحون من امام الرب
و كان الذين يقدمون المحرقات الى الرب لابسين المسوح يقربون ذبائح للرب والرماد على رؤوسهم
و كانوا بجملتهم يصلون الى الله من كل قلوبهم ان يفتقد شعب اسرائيل
و اخبر اليفانا رئيس جيش الاشوريين ان بني اسرائيل قد تاهبوا للمدافعة وانهم قد سدوا طرق الجبال
فاستشاط اليفانا غضبا في شدة حنقه ودعا جميع رؤساء مواب وقواد عمون
و قال لهم قولوا لي من اولئك الشعب الذين ضبطوا الجبال وما مدنهم وكيف هي وما قوتها وما قدرتهم وكثرتهم ومن قائد جيشهم
و كيف استخفوا بنا دون جميع سكان المشرق ولم يخرجوا لاستقبالنا ليتلقونا بالسلم
فاجابه احيور قائد جميع بني عمون قائلا ان تنازلت فسمعت لي يا سيدي اقول الحق بين يديك في امر اولئك الشعب المقيمين بالجبال ولا تخرج لفظة كاذبة من فمي
ان اولئك الشعب هم من نسل الكلدانيين
و كان اول مقامهم فيما بين النهرين لانهم ابوا اتباع الهة ابائهم المقيمين بارض الكلدانيين
فتركوا سنن ابائهم التي كانت لالهة كثيرة
و سجدوا لاله السماء الواحد وهو امرهم ان يخرجوا من هناك ويسكنوا في حاران فلما عم الجوع الارض كلها هبطوا الى مصر وتكاثروا هناك مدة اربع مئة سنة حتى كان جيشهم لا يحصى
و اذ كان ملك مصر يعنتهم بالاثقال ويستعبدهم في بناء مدنه بالطين واللبن صرخوا الى ربهم فضرب جميع ارض مصر ضربات مختلفة
و بعد ان طردهم المصريون من ارضهم وكفت الضربة عنهم ارادوا امساكهم ليردوهم الى عبوديتهم
و فيما هم هاربون فلق لهم اله السماء البحر وجمدت المياه من الجانبين فعبروا على حضيض البحر على اليبس
و تعقبهم هناك جيش المصريين بلا عدد فغمرتهم المياه حتى لم يبق منهم احد يخبر اعقابهم
فخرجوا من البحر الاحمر ونزلوا برية جبل سيناء حيث لم يكن يقدر ان يسكن انسان ولا يستريح ابن بشر
و هناك حولت لهم ينابيع المياه المرة عذبة ليشربوا ورزقوا طعاما من السماء مدة اربعين سنة
و حيثما دخلوا بلا قوس ولا سهم ولا ترس ولا سيف قاتل الههم عنهم وظفر
و لم يكن من يستهين بهؤلاء الشعب الا اذا تركوا عبادة الرب الههم
فكانوا كلما عبدوا غير الههم اسلموا للغنيمة والسيف والعار
و كلما تابوا عن تركهم عبادة الههم اتاهم اله السماء قوة للمدافعة
فكسروا امامهم ملوك الكنعانيين واليبوسيين والفرزيين والحثيين والحويين والاموريين وجميع الجبابرة الذين في حشبون واستحوذوا على اراضيهم ومدائنهم
و كانوا ما داموا لا يخطاون امام الههم يصيبهم خير لان الههم يبغض الاثم
فلما ان حادوا قبل هذه السنين عن الطريق التي امرهم الله ان يسلكوها انكسروا في الحروب امام شعوب كثيرة وجلي كثيرون منهم الى ارض غير ارضهم
غير انهم من عهد قريب قد تابوا الى الرب الههم واجتمعوا من شتاتهم حيث تبددوا وصعدوا الى هذه الجبال كلها وعادوا فتملكوا في اورشليم حيث اقداسهم
و الان يا سيدي انظر فان كان لاولئك الشعب اثم امام الههم فلنصعد اليهم لان الههم يسلمهم اليك ويستعبدون تحت نير سلطانك
و ان لم يكن لاولئك الشعب اثم امام الههم فلا طاقة لنا بهم لان الههم يدافع عنهم فنكون عارا على جميع وجه الارض
فلما فرغ احيور من هذا الكلام غضب جميع عظماء اليفانا وهموا بقتله قائلين بعضهم لبعض
من يقول ان لبني اسرائيل طاقة بمقاومة الملك نبوكد نصر وجيوشه وهم قوم لا سلاح لهم ولا قوة ولا لهم خبرة في امر الحرب
فلكي يعلم احيور انه انما يخادعنا نصعد الان الى الجبال واذا اخذ جبابرتهم فحينئذ نجعله موردا للسيف ايضا معهم
حتى تعلم كل امة ان نبوكد نصر هو اله الارض ولا اله غيره
فلما فرغوا من كلامهم اشتد غضب اليفانا جدا وقال لاحيور
بما انك تنبات لنا قائلا ان شعب اسرائيل يدافع عنه الهه فلكي اريك ان لا اله الا نبوكد نصر
فانا اذا ضربناهم كلهم كرجل واحد فحينئذ انت ايضا تهلك بسيف الاشوريين وجميع اسرائيل يهلكون معك
فتعلم عن خبرة ان نبوكد نصر هو رب الارض كلها وحينئذ سيف جيشي يخترق جنبيك فتسقط طعينا بين جرحى اسرائيل ولا يبقى فيك نسمة الا ريثما تستاصل معهم
و ان كنت تخال ان نبوتك صادقة فلا يسقط وجهك وليفارقك الاصفرار الذي علا وجهك ان كنت تظن ان كلامي هذا لا يمكن ان يتم
و لكي تعلم انك تختبر هذا معهم فها انك من هذه الساعة تنضم الى شعبهم واذا نالهم من سيفي عقوبة ما استحقوه فانك تكون معهم تحت طائلة الانتقام
ثم امر اليفانا عبيده ان يقبضوا على احيور وياخذوه الى بيت فلوى ويسلموه الى ايدي بني اسرائيل
فاخذه عبيد اليفانا وساروا في الصحراء ولما دنوا من الجبال خرج عليهم الرماة بالمقاليع
فانحازوا الى جانب الجبل وربطوا احيور الى شجرة بيديه ورجليه وبعد ان ربطوه هكذا بالحبال تركوه ورجعوا الى سيدهم
فنزل بنو اسرائيل من بيت فلوى واتوه فحلوه واخذوه الى بيت فلوى واقاموه في وسط الشعب وسالوه لم تركه الاشوريون مربوطا
و كان في تلك عزيا بن ميخا من سبط شمعون وكرمي الذي هو عتنيئيل اميرين هناك
فتكلم احيور بين ايدي الشيوخ وبحضرة الجميع بكل ما ذكره عن سؤال اليفانا وكيف هم قوم اليفانا ان يقتلوه بسبب هذا الكلام
و كيف امرهم اليفانا وهو مغضب ان يدفعوه الى ايدي الاسرائيليين وفي قصده انه انه متى ظفر ببني اسرائيل يامر بقتل احيور بضروب مختلفة من العذاب لاجل انه قال ان اله السماء هو المدافع عنهم
فلما قص عليهم احيور جميع ذلك خر الشعب كلهم على وجوههم ساجدين للرب ورفعوا صلواتهم الى الرب بالبكاء والعويل عامة بقلب واحد
قائلين ايها الرب اله السماء والارض انظر الى عتوهم والتفت الى تذللنا ولا تغفل وجوه قديسيك واعلن انك لم تترك المتوكلين عليك وانك تذل المتوكلين على انفسهم والمفتخرين بقوتهم
و بعد هذا البكاء وانقضاء صلاة الشعب ذلك اليوم كله عزوا احيور
قائلين اله ابائنا الذي انذرت بقوته يمن عليك بهذه المنية ان تنظر انت هلاكهم
و اذا اتى الرب الهنا عبيده هذا الخلاص فليكن هو الها لك فيما بيننا ان احببت ان تكون معنا باهلك كلهم
و لما انتهت المشورة اخذوا عزيا الى بيته وصنع له عشاء عظيما
و دعا الشيوخ كلهم فاكلوا بعد انقضاء الصوم
ثم دعوا كل الشعب وباتوا في موضع الاجتماع يصلون ويستغيثون باله اسرائيل ذلك الليل كله
و في اليوم الثاني امر اليفانا جميع عسكره ان يزحفوا على بيت فلوى
و كان رجالة الحرب مئة وعشرين الفا والفرسان اثنين وعشرين الفا ما خلا الرجال المجلوين وجميع الفتيان الذين استصحبهم من الاقاليم والمدن
فتاهب جميعهم لمقاتلة بني اسرائيل وجاءوا من جانب الجبل الى القمة التي تنظر الى دوتان من الموضع الذي يقال له بلما الى قليمون التي قبالة يزرعيل
فلما راى بنو اسرائيل كثرتهم خروا على الارض وحثوا الرماد على رؤوسهم وصلوا بقلب واحد الى اله اسرائيل ليظهر رحمته على شعبه
ثم اخذ كل رجل سلاحه واقاموا في الاماكن المفضية الى المضيق بين الجبال ولم يزالوا حارسين كل النهار والليل
و لما كان اليفانا يطوف في الارض وجد العين التي كانت تجري الى داخل المدينة من ناحية الجنوب لها قناة خارج المدينة فامر ان يقطعوا القناة
و كانت عيون اخر على قرب من السور كانوا يخرجون فيستقون منها خفية لكي يكسروا حدة عطشهم وان كانوا لا يرتوون
فتقدم بنو عمون ومواب الى اليفانا وقالوا له ان بني اسرائيل لا يتكلون على الرمح والسهم ولكن الجبال تزرهم والتلال التي بين الهوى تحصنهم
فالان حتى تظفر بهم بلا قتال اقم ارصادا على الينابيع لئلا يستقوا منها ماء فتقتلهم بغير سيف او يلجئهم ما يصيرون اليه من الضنك ان يسلموا مدينتهم التي يعدونها منيعة من اجل انها على الجبال
فاعجب اليفانا وسائر عبيده بهذا الكلام فجعل ارصادا على العيون من اصحاب المئة على كل عين من جميع الجهات
فاقاموا على هذه المحافظة عشرين يوما حتى جفت مياه ابار بيت فلوى وحياضها باسرها حتى لم يكن في داخل المدينة ما يرويهم يوما واحدا لان الماء كان يعطى للشعب كل يوم بمقدار
حينئذ اجتمع على عزيا جميع الرجال والنساء والشبان والاطفال وكلهم بصوت واحد
و قالوا يحكم الله بيننا وبينك فانك قد جنيت علينا شرورا اذ ابيت ان تخاطب الاشوريين بالمسالمة ولذلك باعنا الله الى ايديهم
و الان فانه ليس لنا من نصير ولكنا نصرع امام عيونهم من قبل العطش والدمار العظيم
فالان ادعوا جميع من في المدينة ولنستسلم باجمعنا الى اصحاب اليفانا من تلقاء انفسنا
فخير لنا ان نبارك الرب ونحن احياء في الجلاء من ان نموت ونكون عارا عند جميع البشر بعد ان نكون عاينا نساءنا واطفالنا يموتون امامنا
و نستحلفكم اليوم بالسماء والارض وباله ابائنا الذي ينتقم منا بحسب خطايانا ان تسلموا المدينة الى ايدي جيش اليفانا فيقضى اجلنا سريعا بحد السيف ولا يتمادى في اوار العطش
فلما قالوا هذا حدث بكاء وعويل عظيم في الجماعة كلها وصرخوا الى الله بصوت واحد ساعات كثيرة قائلين
قد خطئنا نحن واباؤنا وصنعنا الظلم والاثم
ارحمنا لانك رحيم او فانتقم عن اثامنا بان تعاقبنا انت ولا تسلم المعترفين بك الى شعب لا يعرفك
لئلا يقال في الامم اين الههم
ثم انهم كلوا من الصراخ وخاروا من البكاء فسكتوا
فقام عزيا ودموعه سائلة وقال لهم كونوا طيبي القلوب يا اخوتي ولننتظر رحمة من لدن الرب هذه الخمسة الايام
فلعله يكف غضبه ويقيم مجدا لاسمه
فاذا انقضت خمسة ايام ولم تاتنا معونة فعلنا ما تقولون
و لما سمعت هذا الكلام يهوديت الارملة وهي بنت مراري بن ايدوس ابن يوسف بن عزيا بن الاي ابن يمنور بن جدعون بن رفائيم بن احيطوب بن ملكيا ابن عانان بن نتنيا بن شالتيئيل بن شمعون بن راوبين
و كان بعلها منسى وقد مات في ايام حصاد الشعير
لانه كان يحث رابطي الحزم في الحقل فصخد الحر راسه فمات في بيت فلوى مدينته وقبر هناك مع ابائه
و كانت يهوديت قد بقيت ارملة منذ ثلاث سنين وستة اشهر
و كانت قد هيات لها في اعلى بيتها غرفة سرية وكانت تقيم فيها مع جواريها وتغلقها
و كان على حقويها مسح وكانت تصوم جميع ايام حياتها ما خلا السبوت ورؤوس الشهور واعياد ال اسرائيل
و كانت جميلة المنظر جدا وقد ترك لها بعلها ثروة واسعة وحشما كثيرين واملاكا مملوءة باصورة البقر وقطعان الغنم
و كانت لها شهرة بين جميع الناس من اجل انها كانت تتقي الرب جدا ولم يكن احد يقول عليها كلمة سوء
فهذه لما سمعت ان عزيا وعد بان يسلم المدينة بعد خمسة ايام انفذت الى الشيخين كبري وكرمي
فوافياها فقالت لهما ما هذا الامر الذي وافق عليه عزيا ان يسلم المدينة الى الاشوريين اذا لم تاتنا معونة الى خمسة ايام
من انتم حتى تجربوا الرب
ليس هذا بكلام يستعطف الرحمة ولكنه بالاحرى يهيج الغضب ويضرم السخط
فانكم قد ضربتم اجلا لرحمة الرب وعينتم له يوما كما شئتم
و لكن بما ان الرب طويل الاناة فلنندم على هذا ونلتمس غفرانه بالدموع المسكوبة
انه ليس وعيد الله كوعيد الانسان ولا هو يستشيط حنقا كابن البشر
لذلك فلنذلل له انفسنا ونعبده بروح متواضع
و لنسال الرب باكين ان يؤتينا رحمته بحسب مشيئته لنفتخر بتواضعنا مثلما اضطربت قلوبنا بتكبرهم
فانا لم نجر على خطايا ابائنا الذين تركوا الههم وعبدوا الهة غريبة
فاسلموا من اجل ذلك الاثم الى السيف والنهب والخزي بين اعدائهم لكنا نحن لا نعرف الها غيره
فنترجى بالتواضع تعزيته وهو ينتقم لدمنا عن اعنات اعدائنا لنا ويذل جميع الامم الواثبين علينا ويخزيهم الرب الهنا
و الان يا اخوتي بما انكم انتم شيوخ في شعب الله وبكم نفوسهم منوطة فانهضوا قلوبهم بكلامكم حتى يذكروا ان اباءنا انما ورد عليهم البلاء ليمتحنوا هل يعبدون الههم بالحق
فينبغي لهم ان يذكروا كيف امتحن ابونا ابراهيم وبعد ان جرب بشدائد كثيرة صار خليلا لله
و هكذا اسحق وهكذا يعقوب وهكذا موسى وجميع الذين رضي الله منهم جازوا في شدائد كثيرة وبقوا على امانتهم
فاما الذين لم يقبلوا البلايا بخشية الرب بل ابدوا جزعهم وعاد تذمرهم على الرب
فاستاصلهم المستاصل وهلكوا بالحيات
و اما نحن الان فلا نجزع لما نقاسيه
بل لنحسب ان هذه العقوبات هي دون خطايانا ونعتقد ان ضربات الرب التي نؤدب بها كالعبيد انما هي للاصلاح لا للاهلاك
فقال لها عزيا والشيوخ جميع مقالك حق ولا عيب في كلماتك
فالان صلي عنا لانك امراة قديسة متقية لله
فقالت لهم يهوديت كما انكم عرفتم ان ما تكلمت به هو من قبل الله
فاعلموا عن خبرة ان ما عزمت عليه هو من قبل الله وصلوا حتى يؤيد الله مشورتي
ففي هذه الليلة تقفون انتم على الباب وانا اخرج مع وصيفتي وصلوا ان ينظر الرب الى شعبه اسرائيل خمسة ايام كما قلتم
و انا لا احب ان تفحصوا عن قصدي ومن الان حتى اعلمكم به لا تصنعوا شيئا غير الصلاة عني الى الرب الهنا
فقال لها عزيا امير يهوذا اذهبي بسلام وليكن الرب معك في الانتقام من اعدائنا وانصرفوا راجعين
و بينما هم ذاهبون دخلت يهوديت معبدها ولبست مسحا والقت رمادا على راسها وخرت امام الرب وصرخت الى الرب قائلة
ايها الرب اله ابي شمعون الذي اعطاه سيفا لينتقم من الغرباء الذين بنجاستهم فضحوا وكشفوا عذراء للخزي
فجعلت نساءهم غنيمة وبناتهم سبيا وكل سلبهم مقتسما بين عبيدك الذين غاروا غيرتك اتوسل اليك ايها الرب الهي ان تعينني انا الارملة
فان لك الافعال الاولى وانت قدرت بعضها في عقب بعض وما اردته كان
فان طرائقك جميعها مهياة وقد اقمت احكامك بعنايتك
فانظر الان الى معسكر الاشوريين كما تنازلت فنظرت الى معسكر المصريين حين كانوا يسعون في اثر عبيدك بسلاحهم متوكلين على مراكبهم وفرسانهم وعلى كثرة رجال حربهم
حينئذ نظرت الى معسكرهم فزعجتهم الظلمة
التزقت اقدامهم بالعمق وغطتهم المياه
يا رب فليكن مثلهم هؤلاء المتوكلون على كثرة عددهم ومراكبهم وحرابهم وتروسهم وسهامهم المفتخرون برماحهم
و هم لا يعلمون انك انت الهنا الذي يمحق الحروب منذ البدء وان اسمك الرب
فارفع ذراعك كما فعلت من البدء واحطم قوتهم بقوتك ولتسقط بغضبك قوة الذين يطمعون انفسهم في ابتذال اقداسك وتنجيس مسكن اسمك وهدم قرن مذبحك بسيفهم
اجعل يا رب كبرياءه تقطع بنفس سيفه
ليصد بفخ نظره الي واضربه بعذوبة الكلام الخارج من شفتي
و هبني ثباتا في قلبي حتى ازدريه وقوة حتى اهلكه
فيكون هذا ذكرا لاسمك اذا اهلكته يد امراة
لانها ليست قوتك بالكثرة يا رب ولا مرضاتك بقدرة الخيل ومنذ البدء لا ترضى من المتكبرين بل يسرك دائما تضرع المتواضعين الودعاء
يا اله السماوات خالق المياه ورب كل خليقة استجبني انا المسكينة المتضرعة والمتوكلة على رحمتك
و اذكر يا رب ميثاقك واجعل الكلام في في وثبت مشورة قلبي ليثبت بيتك في قدسك
فيعرف جميع الامم انك انت الاله وليس اخر سواك
و كان لما فرغت من صراخها الى الرب انها قامت من المكان الذي كانت فيه منطرحة امام الرب
و دعت وصيفتها ونزلت الى بيتها والقت عنها المسح ونزعت عنها ثياب ارمالها
و استحمت وادهنت باطياب نفيسة وفرقت شعرها وجعلت تاجا على راسها ولبست ثياب فرحها واحتذت بحذاء ولبست الدمالج والسواسن والقرطة والخواتم وتزينت بكل زينتها
و زادها الرب ايضا بهاء من اجل ان تزينها هذا لم يكن عن شهوة بل عن فضيلة ولذلك زاد الرب في جمالها حتى ظهرت في عيون الجميع ببهاء لا يمثل
و حملت وصيفتها زق خمر واناء زيت ودقيقا وتينا يابسا وخبزا وجبنا وانطلقت
فلما بلغتا باب المدينة وجدتا عزيا وشيوخ المدينة منتظرين
فلما راوها اندهشوا وتعجبوا جدا من جمالها
غير انهم لم يسالوها عن شيء بل تركوها تجوز قائلين اله ابائنا يمنحك نعمة ويؤيد كل مشورة قلبك بقوته حتى تفتخر بك اورشليم ويكون اسمك محصى في عداد القديسين والابرار
فقال كل من هناك بصوت واحد امين امين
فخرجت يهوديت من الباب هي وامتها وكانت تصلي الى الرب
و كان انها لما نزلت من الجبل عند تبلج النهار لقيتها طلائع الاشوريين فامسكوها قائلين من اين جئت والى اين تذهبين
فاجابت اني بنت للعبرانيين وقد هربت من بينهم لاني ايقنت انهم سيكونون غنيمة لكم لانهم استخفوا بكم وابوا ان يستسلموا لكم طوعا حتى يظفروا منكم برحمة
فلاجل هذا فكرت في نفسي وقلت انطلق الى امام الامير اليفانا لاخبره باسرارهم واعلمه من اي مدخل يستطيع ان يظفر بهم ولا يقتل رجلا من جيشه
فلما سمع اولئك الرجال كلامها وهم ينظرون الى وجهها اندهشت ابصارهم لشدة تعجبهم من حسنها
فقالوا لها قد وقيت نفسك باتخاذك هذه المشورة ان تنزلي الى سيدنا
فاعلمي انك اذا وقفت بحضرته يحسن اليك وتقعين من قلبه احسن موقع ثم اخذوها الى خيمة اليفانا واخبروه بها
فلما دخلت عليه اصطيد اليفانا لساعته بعينيها
فقال له اشراطه من يزدري بشعب العبرانيين ولهم نسوة مثل هذه جميلات السن اهلا لان نقاتلهم لاجلهن
و اذ رات يهوديت اليفانا جالسا في الخيمة المنسوجة من ارجوان وذهب وزمرد وجواهر
و نظرت الى وجهه خرت له ساجدة على الارض فانهضها عبيد اليفانا بامر سيدهم
حينئذ قال لها اليفانا لتطب نفسك ولا يكن في قلبك روع لاني لم اضر قط برجل اثر الخضوع لنبوكد نصر الملك
و اما شعبك فلو لم يزدروا بي لما اشرعت رمحي عليهم
و الان فقولي لي لاي سبب فارقتهم واثرت المجيء الينا
فقالت له يهوديت اسمع كلام امتك فانك اذا اتبعت قول امتك يتم الرب الامر لك
ليحي نبوكد نصر ملك الارض ولتحي قوته التي فيك لتاديب جميع الانفس الغاوية لانه لا الناس فقط يخضعون له بك بل وحوش البر ايضا تنقاد له
لان ذكاء عقلك قد شاع في جميع الامم واهل العصر كلهم يعلمون انك انت وحدك صالح وجبار في جميع مملكته وحسن سياستك مشهور في جميع الاقاليم
و ليس بخاف ما تكلم به احيور ولم يجهل ما امرت ان يصيبه
و من المحقق ان الهنا قد بلغ من غضبه من الخطايا انه ارسل انبياءه الى شعبه بانه سيسلمهم لاجل خطاياهم
و لعلم بني اسرائيل بانهم قد اهانوا الههم قد حل رعبك عليهم
و فضلا عن ذلك فان الجوع قد اخذ منهم وهم معدودون في الموتى من عوز الماء
حتى عزموا ان يذبحوا بهائمهم ليشربوا دماءها
و اقداس الرب الههم التي امر الله ان لا تلمس من الحنطة والخمر والزيت قد هموا ان ينفقوها وهم يريدون ان ياكلوا ما لا يحل حتى لمسه بالايدي فحيث انهم يفعلون هذا فقد ثبت انهم سيسلمون للهلاك
و بما ان امتك قد علمت بهذا هربت من عندهم وقد بعثني الرب لاخبرك بهذا
و انا امتك اعبد الله حتى الان عندك ايضا وامتك تخرج وتصلي الى الله
فيقول لي متى يرد عليهم خطيئتهم فاجيء واخبرك بذلك حتى اخذك الى وسط اورشليم ويكون لك جميع شعب اسرائيل مثل الغنم التي لا راعيلها ولا ينبح عليك كلب
و هذه كلها قد لقنتها من عناية الله
و حيث ان الله قد غضب عليهم فانا مرسلة لاخبرك بهذه الامور
فحسن هذا الكلام كله لدى اليفانا وعبيده وكانوا يتعجبون من حكمتها ويقولون بعضهم لبعض
ليس مثل هذه المراة على الارض في المنظر والجمال والحكمة في الكلام
فقال لها اليفانا قد احسن الله اليك اذ ارسلك امام الشعب لتسلميه انت الى ايدينا
و بما ان وعدك حسن ان فعل الهك لي ذلك فهو يكون الها لي وانت تكونين عظيمة في بيت نبوكد نصر وينوه باسمك في كل الارض
حينئذ امرهم ان يدخلوها موضع خزائنه وامر ان تمكث هناك واوصى بما يعطى لها من مائدته
فاجابته يهوديت وقالت اني لا استطيع ان اكل مما امرت ان يعطى لي لئلا تكون علي خطيئة ولكني اكل مما اتيت به
فقال لها اليفانا اذا فرغ هذا الذي اتيت به فما نصنع بك
فقالت يهوديت تحيا نفسك يا سيدي ان امتك لا تنفق هذه جميعها حتى يصنع الله بيدي ما في خاطري فادخلها عبيده الخيمة التي امر بها
فلما صارت في داخلها سالت ان يرخص لها ان تخرج في الليل قبل الصباح لتصلي وتتضرع الى الرب
فاوصى اصحاب مخدعه ان ياذنوا لها كما تحب في ان تخرج وتدخل لتعبد الهها ثلاثة ايام
فكانت تخرج ليلا الى وادي بيت فلوى وتغتسل في عين الماء
و بعد صعودها كانت تتضرع الى اله اسرائيل ان يرشد طريقها لتخلص شعبها
ثم تدخل وتقيم في خيمتها طاهرة الى ان تاخذ طعامها في المساء
و كان في اليوم الرابع ان اليفانا صنع عشاء لعبيده وقال لبوغا خصيه انطلق الان واقنع تلك العبرانية ان ترضى بالاقامة معي طوعا
فانه عار عند الاشوريين ان تسخر المراة من الرجل وتمضي عنه نقية
فدخل حينئذ بوغا على يهوديت وقال لا تحتشمي ايتها الفتاة الصالحة ان تدخلي على سيدي وتكرمي امام وجهه وتاكلي معه وتشربي خمرا بفرح
فاجابته يهوديت من انا حتى اخالف سيدي
كل ما حسن وجاد في عينيه فانا اصنعه وكل ما يرضى به فهو عندي حسن جدا كل ايام حياتي
ثم قامت وتزينت بملابسها ودخلت فوقفت امامه
فاضطرب قلب اليفانا لانه كان قد اشتدت شهوته
و قال لها اليفانا اشربي الان واتكئي بفرح فانك قد ظفرت امامي بحظوة
فقالت يهوديت اشرب يا سيدي من اجل انها قد عظمت نفسي اليوم اكثر من جميع ايام حياتي
ثم اخذت واكلت وشربت بحضرته مما كانت قد هياته لها جاريتها
ففرح اليفانا بازائها وشرب من الخمر شيئا كثيرا جدا اكثر مما شرب في جميع حياته
و لما امسوا اسرع عبيده الى منازلهم واغلق بوغا ابواب المخدع ومضى
و كانوا جميعهم قد ثقلوا من الخمر
و كانت يهوديت وحدها في المخدع
و اليفانا مضطجع على السرير نائما لشدة سكره
فامرت يهوديت جاريتها ان تقف خارجا امام المخدع وتترصد
و وقفت يهوديت امام السرير وكانت تصلي بالدموع وتحرك شفتيها وهي ساكتة
و تقول ايدني ايها الرب اله اسرائيل وانظر في هذه الساعة الى عمل يدي حتى تنهض اورشليم مدينتك كما وعدت وانا اتم ما عزمت عليه واثقة باني اقدر عليه بمعونتك
و بعد ان قالت هذا دنت من العمود الذي في راس سريره فحلت خنجره المعلق به مربوطا
و استلته ثم اخذت بشعر راسه وقالت ايدني ايها الرب الاله في هذه الساعة
ثم ضربت مرتين على عنقه فقطعت راسه ونزعت خيمة سريره عن العمد ودحرجت جثته عن السرير
و بعد هنيهة خرجت وناولت وصيفتها راس اليفانا وامرتها ان تضعه في مزودها
و خرجتا كلتاهما على عادتهما كانهما خارجتان للصلاة واجتازتا المعسكر ودارتا في الوادي حتى انتهتا الى باب المدينة
فنادت يهوديت من بعد حراس السور افتحوا الابواب فان الله معنا وقد اجرى قوة في اسرائيل
فكان انه لما سمع الرجال صوتها دعوا شيوخ المدينة
و بادروا اليها جميعهم من اصغرهم الى اكبرهم لانه لم يكن في امالهم انها ترجع بعد
ثم اوقدوا مصابيح واجتمعوا حولها باسرهم فصعدت الى اعلى موضع وامرت بالسكوت فلما سكتوا كلهم
قالت يهوديت سبحوا الرب الهنا الذي لم يخذل المتوكلين عليه
و بي انا امته اتم رحمته التي وعد بها ال اسرائيل وقتل بيدي عدو شعبه هذه الليلة
ثم اخرجت راس اليفانا من المزود وارتهم اياه قائلة ها هوذا راس اليفانا رئيس جيش الاشوريين وهذه خيمة سريره التي كان مضطجعا فيها في سكره حيث ضربه الرب الهنا بيد امراة
حي الرب انه حفظني ملاكه في مسيري من ههنا وفي اقامتي هناك وفي ايابي الى هنا ولم ياذن الرب ان تتدنس امته ولكن ارجعني اليكم بغير نجاسة خطيئة فرحة بغلبته وخلاصي وخلاصكم
فاشكروا له كلكم لانه صالح لان رحمته الى الابد
فسجدوا باجمعهم للرب وقالوا لها قد باركك الرب بقوته لانه بك افنى اعداءنا
و قال لها عزيا رئيس شعب اسرائيل مباركة انت يا بنية من الرب الاله العلي فوق جميع نساء الارض
تبارك الرب الذي خلق السماء والارض الذي سدد يدك لضرب راس قائد اعدائنا
فانه عظم اليوم اسمك هكذا حتى لا يبرح مدحك من افواه الناس الذين يذكرون قوة الرب الى الابد الذين لاجلهم لم تشفقي على نفسك لاجل ضيقة وشدة جنسك بل رددت الهلاك امام الهنا
فقال كل الشعب امين امين
ثم دعوا احيور فجاء فقالت له يهوديت ان اله اسرائيل الذي شهدت له بانه ينتقم من اعدائه هو قطع في هذه الليلة بيدي راس جميع الكفار
و حتى تعلم ان الامر هكذا فهوذا راس اليفانا الذي اهان اله اسرائيل باستخفاف كبريائه وتهددك بالموت اذ قال لك اذا اسرشعب اسرائيل امر ان يخترقوا جنبيك بالسيف
فلما راى احيور راس اليفانا ارتاع خوفا وسقط بوجهه على الارض وهلعت نفسه
و بعدما ثابت اليه روحه وانتعش خر قدامها ساجدا لها وقال
مباركة انت من الهك في كل خيام يعقوب وفي كل امة يسمع فيها باسمك يعظم لاجلك اله اسرائيل
و قالت يهوديت لجميع الشعب اسمعوا لي يا اخوتي علقوا هذا الراس على اسوارنا
و متى طلعت الشمس فلياخذ كل واحد سلاحه واخرجوا بهجمة لا لتنحدروا الى اسفل ولكن كانكم تقصدون المهاجمة
فعند ذلك يضطر الجواسيس ان يهربوا الى رئيسهم لينبهوه للقتال
فاذا جرى قوادهم الى خيمة اليفانا يجدونه بلا راس متمرغا في دمه فيقع عليهم الذعر
فاذا علمتم انهم هاربون فاسعوا على اعقابهم امنين فان الرب يسحقهم تحت ارجلكم
و لما راى احيور القوة التي اجراها اله اسرائيل ترك سنة الامم وامن بالله وختن لحم قلفته وضم الى شعب اسرائيل هو وكل ذريته الى اليوم
و عندما تبلج النهار علقوا راس اليفانا على الاسوار واخذ كل رجل سلاحه ثم خرجوا بجلبة عظيمة وصراخ
فلما راى الجواسيس ذلك بادروا الى خيمة اليفانا
فجاء من في الخيمة وضجوا امام مدخل المخدع لينبهوه واحدثوا ضوضاء حتى يستيقظ اليفانا بضوضائهم من غير ان يوقظه احد
و لم يكن احد يجسر ان يقرع او يدخل باب مخدع قائد الاشوريين
فلما جاء قواده ورؤساء الالوف وجميع عظماء جيش ملك اشور قالوا للحجاب
ادخلوا وايقظوه لان الفئران قد خرجت من حجرتها واجترات على مهايجتنا للقتال
فحينئذ دخل بوغا مخدعه فوقف عند السجف ثم صفق بكفيه لانه كان يظن انه نائم مع يهوديت
فلما لم يشعر بحركة يسمعها دنا من السجف ورفعه فلما راى جثة اليفانا بلا راس وهي مضرجة بدمه مطروحة على الارض اعول بصوت عظيم ومزق ثيابه
ثم دخل خيمة يهوديت فلم يجدها فخرج الى الشعب خارجا
و قال امراة عبرانية بلبلت بيت الملك نبوكد نصر هوذا اليفانا مطروح على الارض بلا راس
فلما سمع رؤساء جيش الاشوريين مزقوا ثيابهم جميعا ووقع عليهم من الخوف والرعب ما لا يطاق واضطربت قلوبهم جدا
و حدث بين معسكرهم عويل لا نظير له
و لما سمع كل الجيش ان اليفانا قد قطع راسه طارت عقولهم ومشورتهم ولم يعودوا يبالون الا بالخوف والرعب فاستنجدوا بالهزيمة
و لم يكلم احد صاحبه بل طاطا كل منهم راسه وتركوا كل شيء وكانوا يسارعون لينجوا من العبرانيين الذين سمعوهم اتين عليهم بسلاحهم فهربوا في طرق الصحراء وشعاب التلال
فلما راهم بنو اسرائيل هاربين سعوا على اعقابهم ونزلوا وهم يهتفون بالابواق مجلبين وراءهم
و كان الاشوريون متبددين وهم مندفعون في هزيمتهم وبنو اسرائيل صبة واحدة في اثارهم فاهلكوا كل من ادركوه
و ارسل عزيا رسلا الى جميع مدن ونواحي اسرائيل
فكل بلدة ومدينة ارسلت في اثرهم شبانا منتخبين مدججين في السلاح فطردوهم بحد السيف الى ان بلغوا الى اخر تخمهم
و دخل بقية سكان بيت فلوى محلة اشور فاخذوا كل ما تركه الاشوريون عندما هربوا وكان شيئا كثيرا
و الذين رجعوا الى بيت فلوى منصورين جاءوا بجميع اموالهم حتى كانت المواشي والبهائم وجميع اثاثهم بلا عدد فاثروا جميعهم من صغيرهم الى كبيرهم من غنيمتهم
و اتى يوياقيم الكاهن العظيم من اورشليم الى بيت فلوى مع جميع شيوخه ليرى يهوديت
فلما خرجت اليه باركوها كلهم بصوت واحد قائلين انت مجد اورشليم وفرح اسرائيل وفخر شعبنا
فانك قد صنعت بباس وثبت قلبك فاحببت العفاف ولم تعرفي رجلا بعد رجلك فلهذا ايدتك يد الرب فكوني مباركة الى الابد
فقال جميع الشعب امين امين
و لم يكد شعب اسرائيل في ثلاثين يوما يجمعون غنيمة الاشوريين
و كل ما تبين انه كان من خواص اليفانا دفعوه الى يهوديت من ذهب وفضة وثياب وجواهر وامتعة كل هذه اعطاها لها الشعب
و كان جميع الشعب يفرحون مع النساء والعذارى والشبان بالاعواد والقياثير
حينئذ انشدت يهوديت هذا النشيد للرب فقالت
سبحوا الرب بالدفوف رنموا للرب على الصنوج انشدوا له انشادا جديدا عظموه وادعوا باسمه
الرب يمحق الحروب الرب اسمه
جعل معسكره في وسط شعبه لينقذنا من ايدي جميع اعدائنا
اتى اشور من الجبال الشمالية اتى في كثرة قوته فسدت كثرته الاودية وخيوله غطت الوهاد
قال انه سيحرق تخومي ويقتل فتياني بالسيف ويجعل اطفالي غنيمة وابكاري سبيا
الرب القدير ضربه واسلمه الى يد امراة فطعنته
ان جبارهم لم يسقط بايدي الشبان ولم يبطش به بنو طيطان ولا جبابرة طوال تعرضوا له بل يهوديت ابنة مراري بجمال وجهها اهلكته
نزعت ثياب ارمالها وتردت بثياب فرحها لابتهاج بني اسرائيل
دهنت وجهها بالطيب وضمت ضفائرها بالتاج ولبست حللها الفاخرة لتفتنه
بهاء حذائها خطف ابصاره وجمالها اسر نفسه فقطعت بالخنجر عنقه
ارتاعت فارس من ثباتها والماديون من جراتها
حينئذ اعولت محلة الاشوريين عندما ظهر متواضعي ملتهبين من العطش
بنو الجواري اثخنوهم وقتلوهم كانهم صبية منهزمون فهلكوا في القتال بين يدي الرب الهي
فلنسبح الرب تسبيحا ونرنم نشيدا جديدا لالهنا
ايها الرب ادوناي انك عظيم شهير بجبروتك ولا يقوى عليك احد
اياك فلتعبد خليقتك باسرها لانك انت قلت فكانوا ارسلت روحك فخلقوا وليس من يقاوم كلمتك
تهتز الجبال من اساسها مع المياه والصخور كالشمع تذوب امام وجهك
و الذين يتقونك يكونون اعزة عندك في كل شيء
الويل للامة القائمة على شعبي الرب القدير ينتقم منهم وفي يوم الدينونة يفتقدهم
يجعل لحومهم للنار والدود لكي يحترقوا ويتالموا الى الابد
و كان بعد هذا ان جميع الشعب بعد غلبتهم جاءوا الى اورشليم ليسجدوا للرب ولما تطهروا قدموا جميعهم محرقاتهم ونذورهم واوعادهم
و يهوديت ايضا قدمت جميع ادوات حرب اليفانا التي اعطاها لها الشعب والخيمة التي اخذتها من سريره ابسال نسيان
و كان الشعب مسرورين بمشاهدة المقدسات وعيدوا لفرح هذه الغلبة مع يهوديت ثلاثة اشهر
و بعد تلك الايام رجع كل واحد الى بيته وعظمت يهوديت في بيت فلوى جدا وكانت اجل من في جميع ارض اسرائيل
و كان فيها العفاف مقرونا بالشجاعة ولم تعد تعرف رجلا كل ايام حياتها منذ وفاة منسى بعلها
و كانت في الاعياد تظهر بمجد عظيم
و بقيت في بيت بعلها مئة وخمس سنين واعتقت وصيفتها وتوفيت ودفنت مع بعلها في بيت فلوى
فناح عليها جميع الشعب سبعة ايام
و لم يكن مدة حياتها كلها من يقلق اسرائيل ولا بعد موتها سنين كثيرة
و احصي يوم هذه الغلبة عند العبرانيين في عداد الايام المقدسة واليهود يعيدونه منذ ذلك الوقت الى يومنا هذا