ركن الصيام في الديانة الصابئية
الصيام عند الصابئة المندائيين
حسام هشام العيداني
الصّوم ( صَوْمَا : الصَّوْمُ ): يعتبر الصّوم عند الصَّابِئِينَ من خيرةِ الاعمال وافضلها واصلحها ، ويمارسونه بغية التّقرب إلى اللهِ سبحانه وطلب مرضاته ، والصّوم عند الصَّابِئِينَ يُقسم إلى قسمين اثنين ، يكمل احدهما الآخر ، هما:ـ الصّوم الكبير ( صَوْم النَّفْس ) ، والصّوم الصّغير ( صَوْم الْجِسْم ).
الصّوم الكبير ( صَوْمَا رَبَّا : الصَّوْمُ الْكَبِيرُ ، صَوْمَا إدْ نِشمْثا : صَوْمُ النَّفْس ) هو صوم النّفس قلباً وعقلاً وضميراً ، ورؤيةً وكلاماً وسماعاً ، وتهذيبها قولاً وفعلاً وسلوكاً ومنهجاً ، فالصُّوم الكَبير هو الصُّوم في سبيلِ الله سبحانه من خلالِ إمساك النّفس وضبطها وتهذيبها عن الوقوعِ في المُحرماتِ وامساكها عن معصيتهِ وعن الوقوعِ بِالخَطيئةِ ، واجتنابِ المُوبقات والمُنكرات ، والزّهدِ عن ملذاتِ الحَياة الدُّنيا ومتاعها ، والتّغلبِ على الشَّهواتِ والرَّغبات والغْرائزِ ، وطاعةِ الله وتنفيذ أمره واجتناب نهيه ، والعَملِ بِالحَلالِ والنّهي عن الحَرامِ ، ويتحقق ذلك من خلالِ إمساك الجَوارح عن الآثامِ المُتمثلة في: صَومِ القَلب عن الشَّهواتِ والغَضبِ والضَّغينةِ والغْلِ والحِقدِ والتّفرقةِ ، ومِسكِ الفَم عن اكلِ مال الرّبا والحَرام ، وصمتِ اللِّسان عن فُضولِ الكَلام ، وإمسَاكه عن قولِ الكَذب والزّور ، وعن الزّيفِ والمُنكرِ ، وصيانته عن سيء الكَلام ، ومِسكِ الأُذُن بِالبعدِ عن سماعِ الباطل والحرامِ ، وعن سماعِ الغْيبةِ والنّميمةِ ومِسكها عن الإصغاءِ إلى كلِ مكروه ، وغضِ العَيْن عن النّظرِ إلى الحرامِ ، وغضِ البصر عن عوراتِ النّاس ، وعن الحَسدِ والغْيرةِ ؛ وَكفِ اليد عن الأذى والقَتلِ ، وعن السّرقةِ والرّشوةِ وفعلِ السّوء ، ووقفِ الرِّجل من السّيرِ إلى أماكنِ الفِسق والفجور ، وكفها عن المَشي إلى كل مكان لا يرضي الله ، ومِسكِ الأجساد مِن الزّنى والفَاحشةِ ، ومن السّجودِ لغيرِ الله سبحانه ؛ ومدة الصُّوم الكَبير تدوم على مدارِ ايام حياة الصَّابِئِي في هذهِ الدُّنيا الفَانية ، حيث جاء في آياتِ مُصْحَف الْكَنْز الْعَظِيم الْمُبَارَك:ـ ﴿ صُومُوا الصَّوْمَ الْكَبِير ، صَوْمَ الْقَلْبِ وَالْعَقلِ وَالضَّمِير ، لِتَصُمْ عُيُونكُمْ ، وَأفْوَاهُكُمْ ، وَأيْدِيكُمْ .. لَا تَغْمِزُ وَلَا تَلْمِز ، لَا تَنْظُرُوا إِلَىٰ الشَّرِّ وَلَا تَفْعَلُوه ، وَالْبَاطِلَ لَا تَسْمَعُوه ، وَلَا تُنصِتُوا خَلْفَ الْأَبْوَاب ، وَنَزِّهُوا أَفْوَاهَكُمْ عَنْ الْكَذِب ، وَالزَّيفَ لَا تَقْرَبُوه ، أمْسِكُوا قلوبَكُمْ عَنْ الضَّغينةِ وَالْحَسَدِ وَالتَّفْرِقَة ، أمْسِكُوا أيْديَكُمْ عَنْ الْقَتلِ وَالْسَّرقةِ ، أمْسِكُوا أجسَادَكُمْ عَنْ مُعَاشَرَةِ أَزْوَاجِ غَيْرِكُمْ ، فتِلْكَ هِيَ النَّارُ الْمُحْرَقَة ، أمْسِكُوا رُكَبَكُمْ عَنْ السّجُودِ لِلشَّيْطَانِ وَلِأَصْنَامِ الزَّيفِ ، أمْسِكُوا أَرْجُلَكُمْ عَنْ السَّيْرِ إِلَىٰ مَا لَيْسَ لَكُمْ ؛ إنَّهُ الصَّوْمُ الْكَبِيرُ فَلاَ تَكْسِرُوه حَتّىٰ تُفَارقُوا هَـٰذَه الدُّنِيا ؛ مَنْ أَخْطَأَ ثمَّ تَاب ، ثمَّ إِلَىٰ رُشدِهِ ثَاب ، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، هُوَ مَلِكُ النُّورِ الْحَنَّانُ التَّوَّابُ الْكَرِيم ﴾.
اما الصُّوم الصَّغير ( صَوْمَا زُوْطَا : الصَّوْمُ الصَّغِيرُ ، صَوْمَا إدْ بُغرَا : صَوْمُ الْجِسْم ) فهو صُوم الجِسم عن المَلذاتِ الدّنيويّة والشّهوانيّة والحِسيّة ، والغْاية منه إخضاع النّفس في البدنِ وترويضها على الإستغناءِ عن المُتعِ الدّنيويّة وعلى التّخلصِ من الشّهواتِ الجَسدية ، وتدريبها على حياةِ الزّهد والسّيطرة على الغْرائزِ حباً للهِ وطاعة له ورجاءاً لِجزائهِ ؛ ويقع الصُّوم الصّغير فريضة واجبة على الصَّابِئِينَ في ايامٍ مَعدوداتٍ مجموعِها ستة وثلاثين يوماً موزعةً على مدارِ أشهر السّنة ، وتُسمى هذه الايام في الدّيانةِ الصَّابِئِيَّة بِالإمسَاكاتِ الدّنيويّة ( امْبَطِّلِاتْ إدْ تِيَبل ، امْبَطِّلِاتْ : إمْسَاكَاتٌ ، مُبَطَلاَتٌ ــ امْبَطِّل : إِمْسَاكٌ ، كَفّ ، صَوْم ، تَبْطِيل ، إبْطَال ، تَوَقُّف ، إِنْكَفَاء ) ، وتقسم ايام الإمساكات ( امْبَطِّلِاتْ ) السّتة والثّلاثين إلى قِسمين اثنين:ـ أيام ثابتة واخرى مُتحركة ، فالإمسَاكات الثّابتة سميت بذلك لان مواعيد ايامها ثابتة على تقويمِ سَنة الصَّابِئَة الْمَنْدَائِيِّينَ ، كونها تحسب وتحدد حسب السّنة الشّمسيّة التي تعتمد على دورانِ الارض حول الشّمس ؛ والمُتحركة سميت بذلك لانها متغيرة من عامٍ لآخر ، ذلك لان الايام المُتحركة يتم تحديدها حسب السّنة القَمريّة التي تقل أيامها عن أيامِ السّنة الشّمسيّة بأحد عشر يوماً تقريباً ، حيث يؤدي الصَّابِئُونَ فريضة صُوم الجَسم من خلالِ الإمساك عن شهوتي البَطن والفَرج ، فيمسكون افواهم عن تناولِ ملذات الاطعمة والأشربة بما فيها الامتِناع عن اكلِ وتناول جميع أنواع اللّحوم ومُشتقات المُنتجات الحَيوانيّة ، حيث تُقسم أيام الصّوم الثابتة منها والمُتحركة الى أيام صيام ثقيلة وخفيفة حسب نوعية الأطعمة المُباح اكلها خلال الإفطار ، ففي الأيام الثقيلة يكون الامتناع تاماً عن تناول اللحوم والمُنتجات الحَيوانية بجميعِ اشكالها وفي الخفيفة يجوز فيها الإفطار من خلال تناول الأسماك وشرب الحَليب وتناول مشتقاته ؛ ويمتنعون في ايامِ الصّيام الصَّغير عن الجماعِ واقامةِ العِلاقات الجِنسيّة الزّوجيّة ؛ وإلى جانبِ الصّيام عن الطّعامِ والشّراب والجِنس ، فالصَّابِئَة في هذهِ الأيام يتوقفون عن إجراءِ بعض الطّقوس الكَبيرة والمُجهدة كالصِّباغة وتكريس رجال الدِّين وطقوس الزّواج ؛ وتقع ايام الصُّوم الصَّغير على تقويمِ الصَّابِئِينَ حسب التّرتيب الآتي:ـ
اولاً إمساكات الأيام الثّابتة وعددها اثنان وثلاثون يوماً:ـ
في شهر اول الشّتاء ( شباط الصَّابِئِي ) اربعة عشر يوماً تبدأ مع بداية الشّهر ، واليوم الثّاني والعشرون من هذا الشّهر إمساك ايضاً ؛ ويقع في اليومِ الخَامس والعشرين منِ شهرِ وسط الشّتاء ( آذار الصَّابِئِي ) يوم إمساك واحد ؛ وفي شهرِ آخر الشّتاء ( نيسان الصّابئي ) لا توجد أية إمساكات ؛ وثم اربعة إمسَاكات في الايامِ الاربعة الاولى من شهرِ أول الرّبيع ( ايار الصَّابِئِي ) ؛ وفي شهرِ وسط الرّبيع ( سيوان ) لا توجد فيه أية إمساكات ، وتقع في شهر آخر الرّبيع ( تموز الصَّابِئِي ) ثلاثة إمساكات في اليومِ التَاسع والخَامس عشر والثّالث والعشرون ؛ وفي شهر اول القيظ ( آب الصَّابِئِي ) لا توجد أية إمساكات ؛ وتقع خمسة إمساكات في آخر خمسة ايام منِ شهر وسط القيظ ( أيلول الصَّابِئِي ) ؛ ويقع في الأولِ من شهرِ آخر القيظ (تشرين الصَّابِئِي ) إمساك واحد ؛ وفي شهر اول الخريف ( مشروان ) لا توجد أية إمساكات ؛ وفي الثّاني من شهرِ وسط الخريف ( كانون الصَّابِئِي ) إمساك واحد ؛ ويقع إمساكان آخران في آخرِ شهر من اشهرِ السّنة الصَّابِئِيَّة ، شهر آخر الخَريف ( طابيت ) ، حيث يقعان في الثّامنِ والعشرين والتّاسع والعشرين.
ثانياً إمساكات الأيام المُتحركة وعددها اربعة ايام:ـ
يدعى اليوم المُتحرك الاول عند الصَّابِئَة بيومِ عرفات ( عَرَفَتا : عَرَفَات ، عَرَفَة ) ، ويقع هذا اليوم في التَّاسعِ من الشّهرِ القمري برك ( المُوافق التَّاسع من شهرِ ذي الحجة حسب التَّقويم الهجري ) ؛ ويعرف حالياً يوم عرفات بيومِ عرفة عند المُسلمين ، ولِصيامهِ فضل كبير في الدّيانةِ الاسلاميّة الكريمة ؛ ثم يليه اليوم المُتحرك الثّاني الذي يدعى بيومِ القربان او يوم الأَضاحِي ( قِرْبَاتَا : الْقُرْبَان ، الْأُضْحِيَّةَ ) ويقع هذا اليوم في العَاشرِ من شهرِ برك القَمري ( المُوافق العَاشر من شهرِ ذي الحجة حَسب التّقويم الهِجري ) ، وكانت العَرب قديماً تسميه بيومِ الاضاحي ايضاً او بيومِ الحَج او النَّحر ؛ ويعرف يوم القربان في الوقتِ الحاضر كأول ايام عيد الاضحى عند المُسلمين ، ويرجع تاريخ هذين اليومين عرفات والقربان إلى زمنِ نبي الله ابراهيم عليه السّلام ، ثم يليهما اليوم المُتحرك الثّالث يوم الإمساك الذي يُدعى عند الصَّابِئَة بـ ( اشْفَاطا : إِمْسَاك ، إِسْتِهْلال ، إِبْتِدَاء ، أشْوَارَا : اِنْكِفاء ، اسْتَكَفَاء ) والذي يقع في اولِ ايام الشّهر القَمري ناتق ( المُوافق الاول من شهرِ رمضان حسب التّقويم الهجري ) ؛ وآخرها اليوم المُتحرك الرّابع ، الذي يدعى عند الصَّابِئِينَ بيوم الإنتهاء ( إلْغَاطَا : اِنْتِهاء ، إلْغَاء ، إِتْمام ، اِختِتام ، إِنْقِضَاء ) ، والذي يقع بِاليومِ الأول من شهرِ واغل القمري ( المُصَادف اليوم الأول من شهرِ شوال حسب التّقويم الهجري ) ، والمَعروف حالياً بِاولِ ايام عيد الفطر في الدّيانةِ الاسلاميّة الكَريمة.
وإلى جانبِ الأيام السّتة والثَّلاثين التي كُتِبت على الصَّابِئِينَ كفَريضة واجب القيام بها ، فهم يَستحبون صِيام كل يوم أحد وأربعاء وخميس مِن كلِ أسبوع كصيام مندوب ، وكذلك يستحبون صيام أيام شهر ناتق القَمري ( رمضان ) كصيام نافلة ، اي الايام الواقعة بين اشفاطا ولغاطا ، وكذلك يَستحبون صِيام الايام التي تحدث فيها الظّواهر الفَلكيّة ، أي عند حدوث كسوف لِلشمسِ او خسوف لِلقمرِ كصيام مندوب ؛ والصِّيام مباح في الدّيانةِ الصَّابِئِيَّة ، بحيث يجوز الصّيام وحسب الإستطاعة في اي يوم من الأيامِ الأخرى من السّنةِ كصوم نافلة ، يثاب فاعله ولا يأثم تاركه ، إلا في حالةِ صادفت أيام الإمساكات ( امْبَطِّلِاتْ ) المُتحركة او المَرغوب بها تطوعاً مع ايامِ الأعياد والمُناسبات الصَّابِئِيَّة ، عندها لا يجوز ولا يستحب صِيامها ، لان أيام الإمساكات هي ايام دنيويّة مرتبطة في عالمِنا الأرضي المَادي الذي يسوده الظّلام ، بينما الأعياد والمُناسبات في الشَّريعةِ الصَّابِئِيَّة ما هي إلا إحياءً لذكرى تجليات كونيّة ، نورانيّة وسَماويّة ، كتجليات الخليقة وإنبثاق الحَياة وغيرها من المُناسباتِ المُقَدسة غير المُرتبطة بِعوالمِ المادة والظّلام ، وما دامت تلك المُناسبات محاكاة لِمناسباتِ نورانيّة علويّة فلا يُبطِلها شيء مرتبط بِعوالمِ المادة والظّلام ؛ والله سبحانه هو ملك النّور السّامي ، هو النُّور الذي لا ظلمة فيه ، سبحانه العَظِيم ذو النُّور الذي لا يشبهه شيء ، ولا يُبطِل نوره شيء ، ولا يحد نوره شيء ؛ بِوجودهِ صار النّور والضّياء ، والنّور وجِد قبل الظّلام ، لذا لا يبطله شيء ، والظّلام على النّورِ لا يُحسب ، والنّور والظّلام لا يمتزجان ، كما جاء في مُصْحَفِ جِنْزَا رَبَّا الْمُبَارَك:ـ ﴿ بِاسْمِ الْحَيِّ الْعَظِيمِ .. الْأغْنَىٰ وَالْأَسْمَىٰ ، هَـٰذَا هُوَ السِّرّ ، هُوَ الْكِتَابُ الْأَوَّلُ لِتَعَالِيم الْحَيِّ الْأَزَلِيّ الَّذِي لَا بِدَايَةَ لَهُ ،..، لَا حَدَّ لِلنُّورِ ، لَا يُوجَدُ حَدٌ لِلنُّورِ ، وَلَا يُدْرَىٰ مَتَىٰ صَار ، مَا صَارَ إِذْ لَمْ يَكُنْ النُّور ، مَا صَارَ إِذْ لَمْ يَكُنْ الضِّيَاء ، مَا صَارَ إِلَّا بِوُجُودِ الْحَيِّ الْعَظِيمِ ، وَ مَا صَارَ حَدٌّ لِلنُّورِ ،..، النُّورُ قَائِمٌ مِنْ الْبَدْءِ إلَىٰ الْمُنْتَهَىٰ ،..، الْكَلِمَاتُ الْخَفيَّةُ مَخْفِيَّةٌ مَصُونَةٌ فِي أسْفَارِهَا ، الْمَاءُ لَا يَمْتَزِجُ بِالْقَارِ ، وَالظَّلاَمُ عَلَىٰ النُّورِ لَا يُحْسَبُ ، لَا يُحْسَبُ الظَّلاَمُ عَلَىٰ النُّورِ ، الدَّارُ الْمُظْلِمَةُ لَا تُنِيرُ ، وَالْمِيَاهُ الْعَكِرَةُ لَا تُبْهِجُ ، وَالظَّلاَمُ لَا يَتَّسع ، وَسَاكِنُهُ مَجْبُولٌ جَبْلا ، الظَّلاَمُ مَجْبُولٌ جَبْلًا ، إنَّهُ فِي كُنِّ ذَاتِهِ يَسْتَتِر ، وَكُلُّ مَا يَنْتِجُ عَنْهُ بَاطِل ، أَبْنَاءُ الظَّلاَمِ بَاطِلُون ، وَأَبْنَاءُ الْمُعَظَّمِ بَاقُونَ ، بُيُوتُ الْأَشْرَار بَاطِلَة ، تَنْطَفِئُ حَرَارَتُهَا الْآكِلَة ، سِحْرُهُمْ يَنْطَفِئُ وَيَزُولُ .. وَأَعْمَالَهُمْ تَحُول ، وَسُلاَلَةُ الْحَيِّ هِي الْبَاقِيَة ﴾.
وذكر الصُّوم الصَّغير في آيات مُصْحَف جِنْزَا رَبَّا الْمُبَارَك كفريضة واجبة على المُؤمنين ، وحذرت آيات الْمُصْحَف الْمُبَارَك من السّهوِ والتّغافل عن إداءِ فريضة الصِّيام في ايامهِ المُحدده ، فإن مصير الذين لم يلتزموا بِفرضِ الله سبحانه وتعاليمه ووصاياه ، النّار الحَارقة ، والذين اطاعوه ونفذوا امره وعملوا صالحاً فمصيرهم جناته النّورانيّة السّعيدة:ـ ﴿ الْحَيُّ الْمُدْرِكُ "مَنْدَا ادْ هَيِّي" قَائِلًا بِنِدَاءِهِ وَمُنَادِيًا بِصَوْتٍ سَنِيّ: مَنْ سَمِعَ وَآمَنَ بِأَقْوَالِهِ وَتَعَالِيمِهِ "جِنْزَا رَبَّا" ، وَالتَّزَمَ بِتَعَالِيمِهِ ، وَتَمَسَّكَ بِأَقْوَالِهِ ، سَوْفَ يَصْعَدُ وَيَرَىٰ بَلَدَ النُّورِ ؛ أَمَّا الْفَاسِقُونَ الْمُتَكَاسِلُونَ وَالَّذِينَ اغْفَلُوا مُتَرَاخِينَ عَنْ أدَاءِ صِيَامِهِمْ فَلَنْ يَرَوْا بَلَدَ النُّورِ ، هَـٰؤُلاَءِ الصَّائِمُونَ وَالصَّائِمَات فِي الدَّرْكِ الْأسْفَلِ مِنَ النَّارِ الْمُوقَدَةِ يُحْشَرُونَ ، وَالْحَيُّ الْغَالِبُ ﴾ : ( مَنْدَا ادْ هَيِّي قَارِيَ بِكَالوزَا وَمِيشمَا ابْقَالِيَ شَانِي: إيتْ إِدْ شُومَا وَهَايمِينْ بِجَنْزَا وَمَلَالَا ، قَامْ بِجِنْزَا ، قَامْ وَمَلَالَا ، وَإِسْلِق وَهَزيَ لَآتَرَ انْهُورَ ؛ وَبِيشِي إِدْ إِتكَلِل وَشَكِيب اكَاندِيت ايَاتبِي اِبْصُومَا وَلَا اهْازِيَلا لَآترَ انْهُورَ ، صَايامِي وَصَايامَاثا لِيقدانِي إِدْ نُورا شَافلِي ، وَهَيِّي زَاكِن ) ، وجاء في الْمُصْحَفِ الْمُبَارَك أن الذين لم يصوموا كما شرع الله سبحانه ، ولم يقيموا صلواتهم في حدودها وفروضها سيكون حسابهم في الْمَطهرِ ( الْبَرزخِ ) عسير ، سوف يُعذبون بِالجُوعِ والعَطشِ ، وسوف يُزج بهم في النّارِ الحارقة إلى يومِ الدّين:ـ ﴿ فِي هَـٰذَا الْمَطْهَر "مَطِرَاثَا" يَجْثُمُ أُولَـٰئِكَ الْمُنَافِقُونَ فِي صَومِهِم مِنْ الصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْمُصَلِّينَ الَّذِينَ أَقَامُوا الصَّلَاةَ كَاذِبِينَ ، أُولَـٰئِكَ جِيَاعًا لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ يَأْكُلُونْ ، وَعِطَاشًا لَّيْسَ لَهُمْ مَاءٌ يَشْرَبُونْ ، يُتْرَكُونَ نَائِحِينَ وَمُتَأَلِّمِينَ ، رُؤُوسُهُمْ حَاسِرَة ، وَسَلامًا لُا يُحْيِيهِمْ ، مُقِيمُونَ فِي هَـٰذَا الْمَطْهَر ، وَبِالْكَلاَلِيبِ يُعَلِّقُونَ وَفِي النَّارِ وَالْحَمِيمِ يُسْجَرُونَ إلَىٰ يَوْمِ الدِّين ، لسَاعَةِ الْعَالمِ .. سَاعَةَ الْخَلَاصِ ﴾ : ( ابْهَازَا مَطرَاثَا صَيامي وَصَيامَاثا صَايمِي صَومَا إِدْ آولَا وَمصَلِين صَلوتَا إِدْ كَدبَا ، هَالين إِدْ كَافنِين وَلاهمَا لَاكلِين ، وَصَاهين وَميَا لَاشَاتِين ، وَبيبلي وَمَالِي يَاتِبين ، وَرِيشايون نَاجِدي ، واشْلامَا لَا يَاهبيَ ، مَابطِيلون ابْهَازَا مَطرَاثَا ، وَسَالِيقلون ابْهربَا ، وَنورَا وإيشاتا آلمَا لِيومَا يَوم دِينَا ، وَآلمَا لِشيتَا شَايِّي إِدْ بُرقانَا ) ، وتكرر التّحذير في آياتِ مُصْحَف جِنْزَا رَبَّا الْمُبَارَك من مغبةِ التّهَاون في أداءِ الْفرائض الدّينيّة كفريضة الصِّيام:ـ ﴿ إنَّ الَّذيِن لَا يَذُودُون نُفُوسَهُمْ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُوبِقَات فِي غَيَاهِب الظَّلاَم يُوثَقُون ، بَعِيدًا عَنْ الْعَالمِ عِطَاشًا يُحْشَرُون ، وَكُلُّ حَفْنَةِ مَاءٍ يُسْقَونَهَا يُعَذَّبُونَ أَضْعَافَهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون ﴾ ، وجاء في الْكِتَابِ الصَّابِئِي الْمُقَدَّس ان المُؤمنين الذين لم تفسدهم الشَّهوات الدّنيويّة ، ولم يَعبثوا بِصيامِهم او يفسقوا عنه ، سَيُجزيهم الله ، وسَيَصعدون إلى الدّارِ المَتقنة ، جنان الرّحمن:ـ ﴿ سَتصْعَدُ نَفْس "نِشمْثا" النَّاصُورَائِيِّينَ ، الَّذِينَ لَمْ يَأْكُلُوا أَكْلَ الْفَاسِدِينَ ، وَلَا كَانُوا عَابِثِينَ وَلَا فَاسِقِين ، يَصْعَدُ الصَّادِقُونَ الْمُؤْمِنُون .. يَرَوْنَ الدَّارَ الْمُتقَنةَ وَعَنْهَا يَتَحَدَّثُون ﴾ ، وجاء في الْمُصْحَفِ الْمُبَارَك ، ان الذين صَانوا اجسادهم في سبيلِ الله لهم اجرهم عند رب العَالمين:ـ ﴿ طُوبَىٰ لِمَنْ سَمِعَ وَآمَنَ .. إِنَّهُ يَصْعَدُ ظَافِرًا إِلَىٰ بَلَدِ النُّورِ ، مَنْ تَعْلَمَ تَسَابِيحِي ذُكِرَ اسْمَهُ فِي عِلِّيِّين ، مِنْ اسْتَنَارَ بِكَلِمَاتِي أَصْبَحَ مِنْ وَالْأُثِريّينَ ، وَمَنْ نَجَا مِنْ غِوَايَةِ الشَّيْطَان صَعِدَ إِلَىٰ بَلَدِ النُّورِ الْأَمِينُ ، وَمَنْ صَانَ جَسَدِه حُبًّا فِي اللهِ فُهُوَ الْمُزَكَّىٰ ﴾ ، وجاء فيه ان صَوم الجَسد يحفظُ الانسان مِن الخطايا وَالسّيئاتِ:ـ ﴿ كُلَّ مَنْ يُضْحِي بِجَسَدِهِ حُبًّا لِلرَّبِّ سَوْفَ يَصْعَدُ خَالِيًا مِنْ الْخَطَايَا وَالسَّيِّئَاتِ ﴾ : ( كُلمَنْ إِدْ برَهمُوتَا إِدْ مَارَا بغرَا لجِيطلا نَشلِم إِدنقي هَطايّي وَهُوبِي ) ، وجاء في كِتَابِ سُنَّة نبي الله ورسوله يحيى بن زكريا عليه السَّلام دروسه وتعاليمه ومواعظه ووصاياه ( إِدْرَاشا إِدْ يَهيَا : دُرُوس يَحْيَىٰ ) ، ان النّبي يحيى عليه السّلام كان نبياً صالحاً ومومناً عابداً مُتواضعاً يعبد الله حق عبادته ، وكان نبياً تقياً وقانتاً لله ، مُخلِصاً في عبادتهِ ، وزاهداً وناسكاً في دنياهِ ، مبتعداً عن مظاهرِ التّرف ، غير متعلق بمظاهرِ الدُّنيا الزَّائفة ، ولم يكُ سَاعياً من اجلِ المَال او الجَاه او السَّلطة ، وغير مُحب لِلشهواتِ والرّغباتِ والمُتعِ المَاديّة والمَلذات الدّنيوية ، بل كان متبتلاً في مَسكنهِ ، ومَأكلهِ ، ومَشربهِ ، ومَلبسهِ ، وفي سَائرِ أموره وأحوالهِ ، وكثير العبادة والخشوع لله ، آمراً بما امره به سبحانه ، وناهياً عما نهاه عنه جلاله:ـ ﴿ يَحْيَىٰ يَعِظُ فِي اللَّيَالِي .. يَقُولُ: بِاسْمِ أَبِي تَألّقَتُ وَبِتَسْبِيحِي لِلْخَالِقِ صِرْتُ كَبِيرًا فِي الدُّنْيَا ، ابتعدْتُ عَن الْمُنكَرِ وَالْأَعْمَالِ الَّتِي لَا تُجْدِي نَفْعًا ،..، قُلْتُ: قَائِمٌ أَنَا بِقُوَّةِ أَبِي ، وَلِلْخَالِقِ أُسَبِّحُ وَقَدْ أَقَمْتُ عَالَمًا كَبِيرًا ، وَلَمْ أُقِمْ عَرْشًا بَيْنَ الْيَهُودِ ، مَا أَحْبَبْتُ أَكَالِيلَ الْوَرْدِ ، وَلَمْ تُغْرِني النِّسَاءَ ، لَمْ أهوَ النَّقْصَ ، وَلَمْ اكُ مِنْ شَارِبِي الْخَمْرِ ، لَا أُحِبُّ اِلتِّهَامَ طَعَام الْأَجْسَاد "اللُّحُومِ وَالمَلَذَّات وَالرَّغَبَات وَالشَّهَوَات" ، وَلَا أُحِبُّ أَنْ تَرْمُقُنِي الْعُيُونُ الْحَاسِدة ، لَمْ أَنْسَ تَرَاتِيلِي ، وَلَمْ أُغْفِلْ عَنْ نَهْرُ الْأُرْدُنِّ "يَرْدِنَا" ، وَلَمْ أَتْرُكْ صِبَاغَتِي ، وَلَا الرَّسْم الطَّاهِر ، لَمْ أَنْسَ يَوْم الْأَحَد وَلمْ أَنْقَطِعْ عَنْهُ ، وُ لَمْ أَنْسَ شِلمَي وَنِدبِي ﴾ ، وحذر النّبي يحيى عليه السّلام اولئك الذين فتنت قلوبهم ملذات العالم الزّائلة من مأكلِ ومشرب وملبس ومال وغيرها ولم يشبعوا من بهرجةِ الدّنيا الزّائفة ، بحيث تغاضوا عن صِيامِهم غير ملتزمين بفرض الله سبحانه:ـ ﴿ وَيْلٌ لِلْبُطُونِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي كُلَّ أَكَل الْبُطُونِ أَكَلَتْ وَلَمْ تَمْتَلِئ ﴾ ، وبينت سنّة نبي الله يَحْيى عليه السَّلام المُبَارَكة ، ان للصيامِ فضل كبير ، وإن الامساكات ( امْبَطِّلِاتْ ) فريضة واجبة ، وبينت ان الأيام التي يُستحب فيها الصّيام هي:ـ ايام الآحاد والأربعاء والخميس من كل اسبوع ، وثاني ورابع ثلاثاء من كلِ شهر:ـ ﴿ يَحْيَىٰ يَعِظُ فِي اللَّيَالِي .. يَقُولُ: سَعِيدٌ مَنْ يَتَّخِذُ لِنَفْسِهِ زَوْجًا ، وَمُوَقَّرٌ مَنْ يَكُونَ لَهُ أَبْنَاءً ، وَلَـٰكِنِّي أَخْشَىٰ إِذَا تَزَوَّجَتُ وَحانَ وَقْتُ النَّوْمِ ، وَتَوَدَّدَتْ زَوْجَتِي إِلَيَّ ، فَأُبَطِّلُ فُرُوضِي اللَّيْلِيَّةِ .. مَاذَا لَوْ تَتَأَجَّجُ فِيَّ الشَّهْوَة فَأَنْسَىٰ ذِكْرَ رَبِّي؟ مَاذَا لَوْ تَتَأَجَّجُ فِيَّ الشَّهْوَة فَأُبَطِّلُ الْقِيَامِ إِلَىٰ فُرُوضِي فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهَا؟ عِنْدَمَا قَالَ يَحْيَىٰ هَـٰذَا ، جَاءَتْهُ رِسَالَةً مِنْ بَيْتِ الْبَعْثِ "ابْاثَر": يَا يَحْيَىٰ خُذْ لَكَ زَوْجَةً ، اِطْمَئِنَّ وَتُقَيَّدْ فِي إمْسَاكَاتِ الْأَرْضِ "امْبَطِّلِاتْ إدْ تِيَبل" ، وَفِي فَجْرِ الْاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ تَوَارَ إِلَىٰ مِخْدَعِكَ الزَّوْجِي ، وَفِي فَجْرِ الْأرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ قُمْ بِفرَوْضِكَ ألسَّنيّةُ ، وَفِي فَجْرِ الْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ تَوَارَ إِلَىٰ مِخْدَعِكَ الزَّوْجِي ؛ وَيَوْمِ الْأَحَدِ ، فِي فَجْرِ الْأَحَدِ وَفِي غَدَاةِ يَوْمِهِ قُمْ بِصَلَوَاتِكَ ألسَّنيّةُ ؛ وَأَمْسِكْ ثُلَاثَاءَ وَاتْرُكْ ثُلَاثَاءَ ، وَأَمْسِكْ ثُلَاثَاءَ وَاتْرُكْ ثُلَاثَاءَ ، وتَقِيدْ بِإمْسَاكَاتِ الْأَرْضِ "امْبَطِّلِاتْ إدْ تِيَبل"
﴾.