أنشر هذا الموضوع في الفيس بوك
قراءة الفصل الاول من كتاب صابئة حران والتوحيد الدرزي
قراءة وتحميل الفصل الاول من كتاب صابئة حران والتوحيد الدرزي لمحمد عبد الحميد الحمد
عن صابئة حران والتوحيد الدرزي لمحمد عبد الحميد الحميد:ـ
بقلم فـاروق عبدالجبّار عبدالامامليس من المستغرب أن يدافع المرءُ عن معتقده الذي يمثل وجوده في معظم الاحايين ؛لأن المعتقد أ دينياً كان أم سياسياً يمثل في معظم الأحيان ركناً أساسياً لمعتنقيه ومريديه ، ومن هنا بدأ البعض يوجه الآخرين الوجهة التي تخدم تلك القضية التي يدافع عنها ومن هنا أيضاً بدأ التعصب والتحزب والذي وفي أحيان كثيرة يؤدي الى التصادم مع متعصبين آخرين لكنهم في الجناح المعارض لذا لن يجد المتعصب ألا مناص من استعمال شتى الطرق لاثبات صحة عقيدته وفكره و لذلك كثيراً ما رأينا مشجعي كرة القدم وهم يتناوشون بعضهم البعض في معركة لا يعرف بعضهم كيف بدأت ولماذا بدأت وقد انتهت بخسارة فريق واحراز الفريق الآخر الفوز !! وقد يكتفي البعض الآخر بالرد السلبي أو الايجابي حينما يعرف أصول اللعبة السياسية وكيف يكون الحوار البنـّّاء الموصِل الى النتيجة المقنعة لكلا الطرفين فهم يستعملون الحنكة السياسية تجنباً لأي مواجهة محتملة مع الآخرين المناصرين لفئة آخرى . ومن هؤلاءِ الذين استخدموا الحل السلمي ما انا بصدده في مقال اليوم وهو المؤلف {{ محمد عبدالحميد حمـد }} والذي سيظهر من خلال كتاباته أنه من أتباع ** الدروز** والذي يعيد اصول هؤلاءِ الدروز الى صابئة حران فهو ومن خلال مؤلفـه الموسوم ( صابئة حران والتوحيد الدرزي)*1 يحاول أن يلقي الضوء على الاصول الاثنوية [ السلالية ] للشعب السوري القديم فيتحدث عن الصابئة الحرانية، وهو يعتقد أن النفس الانسانية الصادرة عن الله ستظل تسعى للعودة اليه ثانية وهو يحاول ان يربط الدروز بديانة الصابئة ليقال انهم موحدون مؤمنون بالله الواحد ؛ لذا يفرد المؤلف قسماً من كتابه آنف الذكر للتحدث عن الصابئة المندائيين في العراق ، وهو لا يعطي رأياً جازماً ويترك الباب موارباً ليدخل منه من يشاء دون أن يكون منحازاً لجهة دون اخرى ويستهل هذا الفصل بالقول :
( أصل التسمية جاء من قولهم [ صبأت ] اذا خرجت من شيء الى شيء آخر ،)* أما في اللغة الآرامية فكلمة ( صبأ ) أو صبغ فتعني الاغتسال بالماء الجاري ،وكان صابئة العراق يعرفون بالمغتسلة . قال ابن النديم : وكان بنواحي دست ميسان قوم يعرفون بالمغتسلة وبتلك البطائح بقاياهم الى وقتنا هذا [ أي عام 380 هـ 991م ] وهم يطلقون على أنفسهم اسم [[ المندائيـة ]] لأن كلمة ** منداي ** الآراميةتعني العارف المشتق من الفعل [ مدّعـا ] أي عرف وعلم )*2 ويمضي المؤلف كاتباً ( وقد ورد اسمهم في القرآن الكريم بين طوائف المؤمنين ، قال تعالى { بسم الله الرحمن الرحيم : {{{ ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون }}} صدق الله العظيم*3 وفي سورة أخرى ( بسم الله الرحمن الرحيم {{{ أن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون }}} ) صدق الله العظيم *4 وكذلك ورد اسمهم في سورة الحج الآية 17 _ بسم الله الرحمن الرحيم {{ ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى والمجوس والذين أشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شيء شهيد }} صدق الله العظيم *5
الا أن الملاحظ هنا أن مؤلفه يخلو تماماً من أي ذكر للنبي {{ يحيـى عليه السلام }} وكأنه لا يعرف أن نبي الله يحيى بن زكريا عليه السلام هو آخر أنبيـاء الصابئة المندائيين .
بعدها يورد المؤلف ما نصه (( وقد فـرّق المسعودي بين الصابئة الحرّانية والكيمارية الذين ديارهم بلاد واسط والبصرة من أرض العراق نحو البطائح )*6 ويستمر بقوله هذا فيورد ( وأكّـد كذلك الرحالة المغربي ابن سعيد المغربي في كتابه [ الجغرافيـا] حيث كتب : وأهل البطائح معظمهم من الكلدانيين ويسمونهم الصابئة ) .*7 ولست أدري كيف اقحم المغربي الكلدانيين في هذا الموضوع وهل هنالك من علاقة بين هؤلاءِ والصابئة ! قد نجد في قابل الايام من يعلمنا ! ويمضي الكاتب في تتبع الصابئة وما قال فيهم الباحثون ( وهؤلاءِ الصابئة لا زالوا يعيشون جنوب العراق في منطقة العمارة وفي منطقة الاهواز ويذكرون ان المدعو [ أنّوش بن دنقـا ] قابل سعد ابن أبي وقّاص عام 18 / هـ / 640 م وشرح له خلاصة مذهبهم وحصل منه على (( عـهد الأمان )) له ولاتباعه وأدوا الجزية )*8 .
ثم ينتقـل الكاتب الـى مـوضوع آخـر محاولاً الـربط بين صابئـة البـطـائـح وصابئـة حــرّان ، فكتب تحت عنوان (( ما علاقة صابئـة البطائـح بصـابئة حـرّان ))*9 : أجاب الباحثون عن هذا التساؤل إجابات مختلفة ومتناقضة ، قال المستشرق الاوراكييني خولسون الذي تخصص بدراسة صابئة حران (( أن الحرانيين لم تكن لهم وحدة علاقة مع المندائيين ؛ لأن االحرانيين عبدة كـواكب ، بينما يبغض المندائيـون عبـدة الكواكب )) *10 وقد وافقه على رأيـه _ أوليري _ الذي اعتبر ان الصابئة الحقيقين كانوا في جنوب العراق ولا علاقة لهم بحـّران . بعدهـا يعـرّج الكاتب على رأي الباحثة الانجليزية [ الليدي دراور ] فكتب : ( ولكن الليدي دراور الباحثة التي درست عقيدة الصابئة المندائبة وعاشت معهم وأتقنت لهجتهم الآرامية ورطانتهم العربية ، قالت : ففي جملة ما ورده المؤلفون العرب من روايات يوجد فيها قـدر لا بأس فيه من الحقيقة ، تشير الى أن لدى الحرانيين مـا يشتركون به مع الصابئة المندائية الذين يسكنون أهـوار جنوب العراق )*11 وتارة اخرى يعود المؤلف ويذكر الكلدانيين لكنه هذه المرة يعني بهم [ صابئة حـّران ] على الأرجح فيكتب : ( قال مار يعقوب الرهاوي – توفي 708 م – وقد ورد في كتب الكلدانيين قولهم ان السماء والارض والشمس والقمر وسائر الكواكب هي ازلية غير مخلوقـة وهم آلهة وأرباب ... ) 12* وهذا الكلام برأي يخص صابئة حـرّان فقط لانه لم يرد في أي كتاب من كتب المندائيين ما يربط العلاقة بين خلق الكواكب وبين الخالق الازلي لأن المندائيين يعتقدون انما الكواكب قد خلقت بأمر الواحد الأحد فقط لاغير .
ثمّ يعرّج الكاتب الى موضوع آخر كتبه تحت عنوان [ كيف نظر الصابئـة الى أنفسـهم ] حيث يقول : ( جاء في كتاب للصابئة المندائية عنوانه – حـرّان كـويثـة – أي حـرّان السفلى إانهم جـاؤوا الى بطائح البصرة من مدينة حـرّان وما حولها من جبال مـاداي ، حيث الينابيع الساخنة في الشتاء والباردة في الصيف ) *13 وهذا الوصف ينطبق على منابع نهر البليخ التي يسميها العرب بعين الذهبانية والتي ندعوها اليوم عين عروس حيث يوجد مقام ابراهيم الخليل ومياه هذه العين الصافية باردة والى شرقها قليلاً نبع مياه كبريتي يسبح فيه الناس للإستشفاء وهو حار في الشتاء وقد جفت العين منذ عـام 1991 و لا أثر للمياه فيها الآن ) * 14
وينقل لنا المؤلف في مكان آخر قول [ ثابت بن قرة ] في كتابه عن - مشاهير اسرته وسلسلة آبائـه – (( لقد اضطر الكثيـرون منهم أن ينقادوا للضلال خوفاً من العذاب ، أما آباؤهم فقد احتملوا ما احتملوا بعونه تعالى ونجوا ببسالة ولم تتدنس مدينة حـرّان هذه المدينة المباركة بضلال الناصرة قطعاً فنحن الوارثون والمورِّثون للصابئة المنتشرة في الدنيا فالذي يحتمل برجاء وثيق أثقال الصابئة يعد ذا حظ سعيد ، ليت شعري من عمّـر المسكونة وابتني المدن ، أليس خيرة الصابئة وملوكهم ؟ من أسس المرافئ والانهار والقنوات ، ومن شرح العلوم الغامضة الا مشاهير الصابئة ؟ فهم الذين أوضحوا ذلك كله وكتبوا عن طب النفوس وخلاصها ولقنوا كذلك طب الأجساد وملؤوا الدنيا أعمالاً صالحـة وحكيمة ، هي دعامة الفضيلة ؛ فلولا علوم الصابئـة لأمست الدنيا قفـراء فارغة متقلبة في العوز )) 15* ويعلّـق المؤلف على قول ثابت بن قرة هـذا بقوله (( يشير هذا النص التاريخي الى عدة حقائق [-أ] اعتزاز الصابئي بماضيه وافتخاره بانتمائه الديني وباصوله السلالية في زمن بدأ يتداعى فيه ذلك الصرح من المجـد بعد أن حافظوا على طهارة حـرّان من الدنس وضلال الناصرة مدة من الزمن
[ ب ] تأكيد ثابت بن قرة على وحدة ديانة الصابئة ( الحرانية والمندائية بقوله ( نحن الوارثون والمرِّثون للصابئة المنتشرة في الدنيا ) [ ج ] يظل النص يحمل الخوف من المستقبل ويتوجس اندثار هذه الطائفة الذين احتملوا ما احتملوا بعونه تعالى ونجوا ببسالة وأنه لسعيد الحظ من يحتمل برجاء وثيق أثقالهم الراهنـة ) *16 . أود أن أشير هنا الى ما أورده المؤلف على لسان الباحث العراقي [ عبدالرزاق الحسني ] بحق الصابئة فكتب : (( أما الباحث العراقي عبدالرزاق الحسيني فقد قال عنهم قولين متناقضين _ قال عنهم في المرة الاولى /انهم عبدة كواكب ، ثم عدل عن رأيه هذا بعد أن اطلع على حقيقة دينهم قال : يؤمنون بالخالق جلُّ شأنه أنه أزلي أبدي لا أول لوجوده ولا نهاية له ، منزّه عن المادة والطبيعة ، ولا تناله الحواس ولا يفضي اليه مخـلوق ، وأنه لم يـلد ولم يـولد ، وهـو عـلـة الأشياء ، ومكونها ولا يختلف اعتقادهم في الخالق عن المؤمنين )) 17*
وأود أن اشير هنا الى حقيقة تاريخية معروفة لدينا ألا وهي [ بعد قيام الباحث العراقي عبدالرزاق الحسني بنشر كتابه الموسوم (( الصابئة حاضرهم وماضيهم )) وما ورد فيه من أغلاط ومغالطات انبرى له المندائيون وعلى رأسهم المغفور له ولذريته الشيخ دخيـّل حيث اقاموا دعوى ضد المؤلف الحسني وجلبوه الى المحكمة والتي فيها وخلال المداولات أخذ الشيخ الجليل يقرأ [ بوث ] * آيات * مباشرة من كتابنا المقدس ** كنزا ربـــا ** وفيه ظهر خطل رأي الباحث الذي استند على قول القدماء الذين يجهلون حقيقة الدين المندائي والذي يجهل هو الآخر حقيقة المندائيين فيما أورده من افتراءآت كاذبة بحق هذا الدين القديم قدم الزمان ؛ وعلى أثرها أصدر الباحث الحسني تصحيحاً أثبت فيه أنه مخطئ بحق هؤلاءِ المندائيين وعليه وجب الاعتذار . ومن هنا وقع مؤلف كتاب [ صابئة حـرّأن والتوحيد الدرزي ] في هذه الحيرة التي مردها - تناقض كلام الحسني في الطبعة الاولى عن الطبعة الثانية –. فالظاهر انهلم يطلع على النسخة الاولى من كتاب (( الصابئة حاضرهم وماضيهم ))
وانهي مقالي هذا برأي الكندي والذي قال فيه (( دعوة هؤلاءِ القوم [ يقصد الصابئة المندائيين ] واحـدة وسنتهم وشرائعهم غير مختلفة ، جعلوا قبلتهم واحدة بأن صيروها نحو القطب الشمالـي في سفرة العقلاء ، وقصدوا بذلك البحث عن الحكمة ولزموا فضائل النفس الأربع )) *18 .
مما تقدم يتضح لنا أن المؤلف التزم جادة الحياد ولم يعطِ رأياً نستشف منه رأيه الشخصي في موضوع الصابئة المندائيين ، بل كان معتمداً كلياً على رأي الآخرين ، لكنه ذكر الصابئة المندائيين ليقول لنا أن الدروز ما هم الا شعبة انشعبت من الصابئة المندائيين إتخذوا لهم مسلكـاً أخر لاحقـاً مغايـراً لما سلكه الصابئة المندائييون في توحيد الذا ت الربانية الأزلية . عسى أن أكون قد وفقت في عرض فكرة هذا الكتاب الموسوم بــ {{{ صابئة حــرّان والتوحـيد الـدرزي }}} لمؤلفه مـحـمّـد عبدالحميد الحمــد .
المراجع كما دونها المؤلف :
*1 صابئة حـرّان والتوحيد الدرزي / محمد عبدالحميد الحمـد / دار الطليعة الجديدة /ط2 2001 ص 22__25 *2 تاريخ الادب السرياني ص49، كامل مراد /دار المقتطف / القاهرة / 1949 *3 سورة البقرة – الآية 62 *4 سورة المائدة -الآية 69 *5 سورة الحج – الآيه 17 *6 مروج الذهب للمسعودي ج1 ص169 تحقيق محمد محي الدين عبدالحميد – كتاب التحرير – القاهرة 1966 *7 كتاب الجغرافيا –ص159، ابن سعيد المغربي / تحقيق اسماعيل العربي /بيروت / 1970 *8 الصابئة المندائية ج 1 ص 13 / الليدي دراور ترجمة نعيم بدوي وغضان الرومي –بغداد -1987 *9 صابئة حران والتوحيد الدرزي ص22 *10 الليدي دراور ص27 *11 الليدي دراور ص 189 *12 الايام الستة / ص51 /ما يعقوب الرهوي ترجمة /صليبا شمعون – دار الرها – حلب 1990 *13 الليدي دراور ص 15 *14 صابئة حران والتوحيد الدرزي ص23 *15 تاريخ الزمان – ص48/49 ابن العبري ترجمة اسحق رملة – دار المشرق 1986 *17 الموسوعة الاسلامية ،مادة الصابئة ج1-ص89 *18 الفهرست لابن النديم -ص386- تحقيق رضا تجدد – طهران 1971